الأحد، 5 ديسمبر 2010

نقد جاكوب غويرتز لنظرية باندورا


لم تمر نظرية باندورا دون أن تواجه التحدي المباشر. و لعل أكبر نقد مفصل لها كان ذلك الذي قدمه جاكوب غويرتز Gewirtz . فباندورا يرفض مواقف تعزيز المثير و الاستجابة لأنها تتغاضى عن الحقيقة القائلة : إن الناس يستطيعون تعلم الشيء الكثير في غياب المران الصريح و التعزيز الخارجي بمجرد ملاحظة تعاقب سلوك يؤديه أشخاص آخرون أمامهم. و يشعر غويرتز بعدم الارتياح في استنتاجه أن هذا يوضح حقيقة تعلم الاستجابات الجديدة . فهو يقول إن هذه النتيجة غير ممكنة لأن تاريخ تعلم الأفراد بأكمله غير معروف في التجارب النموذجية التي تدعي أنها توضح اكتساب الاستجابة الجديدة. و بدلاً من ذلك فإنه يمكن اعتبار التعلم بالملاحظة بصورة ملائمة أكثر كحالة خاصة من التعلم الوسيلي الذي يكون فيه حضور نموذج و عمل هذا النموذج عاملاً ميسراً لاستجابة الملاحظ الذي سبق له تعلمها أكثر من جعل الاستجابات الجديدة أكثر مناسبة. و من الممكن كذلك ، حسب رأي غويرتز، أن الشخص الملاحظ قد يكون قد اكتسب فئة استجابة من سلوك محاكاة عبر مواقف محاكاة النماذج المختلفة ، وضمن فئة الاستجابات من نوع المحاكاة، فإن أنماط السلوك متساوية وظيفياً لأنها أدت إلى التعزيز الخارجي في الماضي، و لأنها جرت مقارنتها باستجابات النموذج الذي اتبع. و لما كانت فئة الاستجابات ككل يجري الاحتفاظ بها عن طريق التعزيز الخارجي على جدول تعزيز متقطع ، فإن بعض أنماط السلوك القائمة على المحاكاة يجري أداؤها حتى لو لم تكن هي نفسها تتلقى التعزيز. و استخدام مفهوم لفئة الاستجابات على هذا النحو يفسر حدوث المحاكاة غير المعززة.

و في رده على وجهات نظر غويرتز، يرى باندورا أنه يمكننا بكل تأكيد التوصل إلى الاستجابات الوسيلية التي جرى تعلمها في السابق من قبل الشخص الملاحظ عن طريق استخدام نموذج. غير أن التوصل إلى السلوك الذي سبق اكتسابه بهذه الطريقة يسمى التيسير الاجتماعي (Social Facilitation ) ( انظر الفرضية رقم ٩ و الفرضية رقم ١١) ، و هذا لا يمثل الشيء ذاته كقضية الجدة ( أو الحداثة ) . و القضية الهامة بالنسبة لنظرية تقوم على التعلم بالملاحظة، وفقاً لما يقوله باندورا، هي تفحص كيف يكتسب شخص ما الاستجابات الجديدة بالملاحظة ، و ليس تفحص كيف يجري تيسير استجابات سبق تعلمها من قبل . و بدلاً من التحكم في جميع خبرات التعلم بالمحاكاة السابقة ، فإن باندورا يستخدم مثل هذه المثيرات اللفظية مثل لفظ كلمة استمساكو estosmacko الغريبة التي لم يسمع الأشخاص الذين كان يجري عليهم تجاربه بها قبل بدء تجربته . و ليس من الضروري مراقبة كل احتمالات التعلم السابق فحسب ، بل إن باندورا يتساءل عما إذا كانت معرفة الظروف المرتبطة بالمحاكاة السابقة مفيدة في تفسير التعلم بالملاحظة فيما بعد. فقد يرغب الأطفال في تعلم أنواع مختلفة من السلوك في مختلف مراحل نموهم . و لذلك فإن محددات أنماط المحاكاة الأولى قد تقدم تفسيراً غير كاف، بل ربما تفسيراً خاطئاً لكيفية اكتساب الاستجابة القائمة على نموذج فيما بعد.
انتقد باندورا نظريتي غويرتز و هولط على أساس أنهما مهتمتان في الأساس بالتيسير الاجتماعي . على أي حال فإن هاتين النظرتين تتصديان لمشكلة تطورية هامة ، و هي أصل المحاكاة. و البيانات الأمبيريقية المتاحة توحي بكل قوة أن المحاكاة خلال الستة الشهور الأولى من الحياة هي بالفعل عملية تيسير اجتماعي حقيقي . و بعبارة أخرى فإن الأطفال يمكنهم فقط محاكاة الأعمال التي تمرنوا عليها جيداً ، و المتاة في رصيدهم الخاص من الاستجابات.و نتيجة لذلك إذا كنا مهتمين بمشكلة أصل المحاكاة ، فلا بد لنا من التعامل مع السؤال الخاص بكيفية تمكن الأطفال من اكتساب القدرة على نسخ استجابات النموذج التي تكون ضمن رصيدهم الخاص من الاستجابات (أو التيسير الاجتماعي ) . و يتاح لنا عرض علمي لنظريات المحاكاة يختص بهذه المشكلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق